الثلاثاء، 12 يوليو 2011

انا والظل الاسود

كنت اجلس فى غرفتى المنعزلة عن العالم اغلق الباب والشباك امعانا فى الإنعزال، اجلس فى اقصى الغرفة، وكانت جلسة غريبة بحق ولكنى اعتدت عليها منذ سنوات الطفولة ولم اشأ تغييرها، اهوى الجلوس فوق المكتب تتدلى قدماى التى احركها كبندول الساعة وانا اقرأ.
تتمثل بقية الطقوس فى ان يخلو المكان من اى اضاءة ممكنة الا شمعة وحيدة صغيرة تلقى بظلالها على الحائط وتجعل للهواء رائحة مميزة محببة الى نفسى_رائحة احتراق الشمع_ والى جوارى ترقد دائما رزمة من الاوراق البيضاء أما الاقلام فمكانها فى كوب من الفضة يرجع عمره لاكثر من مئتى عام اخبئه بداخل الساعة القديمة، جوا من العتاقة والقدم استنشق هواءه فيخطفنى الى عالمه السحرى.
كل مساء اختفى فى تلك الحجرة فتبتلعنى ولا اشعر بالزمن، اظل اكتب واكتب ولا اهمس حرفا وكانها تضع لافتة "ممنوع الكلام".
حتى جاء ذلك اليوم الذى قررت فيه ان تكون جلستى للقراءة، تناولت الاوراق المليئة بالحروف من درج المكتب وبدأت اقرأ.
كانت قصة رومانسية هادئة. فجأة تحرك شىء ما الى جوارى، تجاهلته واكملت القصة، كم هى ناعمة تلك الكلمات، زاد تحرك الشىء فحملقت فى الفراغ حيث كان هناك... "ظلا اسودا" يتحرك جيئة وذهابا كنت احفظ كل الظلال فى هذه الغرفة حتى ظلى وانا اجلس فى هذا الوضع لم يكن يمت لهم بصلة.
دق قلبى بعنف وعلا صوتى فى القراءة ربما اشعر بامان اكثر وانا اسمع ترديدى للكلمات، فإذا بالظل يهدأ. ظل يسمعنى فى هدوء بالغ ادهشنى، انهيت القراءة وأضأت النور ولم التفت ورائى مطلقا، تركت الغرفة ورحلت وتكرر نفس الشىء فى اليوم التالى وايام بعده حتى اصبح الامر معتادا أقرأ ويسمع، حتى لاحظت وجوده وانا اكتب ايضا، يجلس فى سكون الى جوارى

مرت الايام سريعا....
إعتدت وجوده كما اعتاد سماعى، واصبح وجوده يثير فى نفسى طمأنينة لم اعهدها من قبل
ذات ليلة اردت ان اتحدث معه. فالصمت احيانا يؤلم، وقفت امامه حيث كان يجلس دائما على الحائط اما مكتبى....
لم يعيرنى انتباها. وكانت كثرة صمته تقتلنى فغضبت لقلبى
"انا مسافرة الفجر وهغيب ايام"
هكذا اخبرته بتجهم شديد.
وبلا مقدمات ادرت مفتاح الراديو فصادفت الاغنية التى اعشقها.....
"sway” وقف. مد يده لى لنرقص معا على انغام اغنيتى المفضلة
اشاعا قترابه شيئا من الدفء فى النسمات وبحركة ودودة لطيفة مد اليد الاخرى.... لوهلة قصيرة ذبت فى نفسى
قفزت بعدها من شدة الفرح اخيرا هناك من سيرقص معى تلك الرقصة
وقف امامى ورقص ببراعة شديدة، كم تمايل. كم دار حولى وحول نفسه، يالرشاقته. للاسف الشديد انتهت الاغنية لكننا رقصنا على التى تليها والتى تليها الى مالا نهاية، تمايلنا تشابكنا وتقاطعنا....
فجأة اعلن المؤذن ان الفجر دخل، لملمت اشيائى وجريت وهى تتساقط من يدى شيئا تلو الاخر وانا اقفز درجات السلم واختفيت
لم احاول ان اعرف ما سيترتب عليه اختفائى هذا، كنت اخشى المواجهة، حتى اضطررت الى دخول المكان بعد ان اتخذ صفة جديدة " مهجور" .
ادرت المفتاح فى الباب ودخلت، تطايرت الاوراق فى وجهى، كانت كل النوافذ مفتوحة وضوء السماء يملأ المكان بشكل ينقبض له قلبى.
اغلقت النوافذ بسرعة وانحنيت ألملم الاوراق من على الارض لأحد من تلك الفوضى، كانت كل الاوراق تحمل خطى عدا ورقة واحدة حملت خطا له فى النفس وقع عجيب كتبت به جملة تثير فى النفس ما تثير:
"ان الخيالات لا يجب ان تمتزج بالواقع فالخيالات عوالم من مشاعر والواقع قاس بارد"